في الصيام حكم وفوائد كثيرة مدارها على التقوى التي ذكرها الله عز وجل في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وبيان ذلك: إن النفس إذا امتنعت عن الحلال طمعا في مرضاة الله تعالى وخوفا من عقابه، فأولى أن تنقاد إلى الامتناع عن الحرام.
وإن الإنسان إذا جاع بطنه اندفع جوع كثير من حواسه، فإذا شبع بطنه جاع لسانه وعينه ويده وفرجه، فالصيام يؤدي إلى قهر الشيطان وكسر الشهوة وحفظ الجوارح.
وإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع أحس بحال الفقراء فرحمهم وأعطاهم ما يسدّ جوعهم، إذ ليس الخبر كالمعاينة، ولا يعلم الراكب مشقة الراجل إلا إذا ترجّل.
لكن بعض الناس ينتقمون من صيام نهار رمضان فلا يمتنعون عن الأكل إلا عند أذان الفجر، فلا يدركون الحكمة من الصيام، فلا تتهذب روحهم ولا يستفيدون من الفوائد الطبية التي تعود عليهم من منح البطون هدنة ضرورية، بل يزيدون من جرعة وحجم ما يتناولون بحجة إعانتهم على الصيام، فهم هنا يمتنعون فقط عن الأكل والشرب ولا يتمتعون بروحانيات الشهر الكريم.
كما أن الصيام يربي الإرادة على اجتناب الهوى والبعد عن المعاصي، إذ فيه قهر للطبع وفطم للنفس عن مألوفاتها، وفيه كذلك اعتياد النظام ودقة المواعيد مما يعالج فوضى الكثيرين لو أدركوا الحكمة وتركوا الشهوات.